“هل من مهمة الفنان في الممارسة الإبداعية أن يرى في الأشياء رؤية ذاتية بحتة ويتعلق بعالمه الداخلي الحميم أم أنه – بفعل الوعي الناشئ – لا يشعر بأنه منفصل وبلا موضوع ليدخل العالم الخارجي ويتفاعل مع أحداثه وبعد أن وجد نفسه في عصر غريب لا يعرف فيه غير منطق العلوم الرقمية . ومنطق القوة”.
أتكون هذه الجملة – للفنان عبد الله الشيخ – المفتاح ندلف به الى معرض “عالمنا المعاصر” للفنان ذاته الذي أقيم في مدينة الجبيل مؤخرا ( المركز الثقافي 5 – 10 محرم 1418 هـ ) .. ذلك أن الفنان مشغول حتى العظم بما يعتور حياة الإنسان من تغيير يميل به إلى الإعطاب، والتدمير، ومعه تطال كينونته ليتفرغ ويتجوف تحت هدير الآلة المسننة تطحنه يتصبب وجعا من الركن إلى الركن جراء التشيئ والتعليب والمكننة.
تنخسف سقف البراءة ،والدعة، والفطرة المحض، لتحتل “الوحشية” المشهد بـ “الفوهات” مصوبة ومسنودة حيث الخراب والعسف والشتويه، يتكتل سادا المنافذ التي يحتال عليها الفنان ليرسم بدون نبرة احتجاج تتفاوت بين النغم العالي والرمز المباشر الذي لا تخطئه العين، وبين خلاصة الحالة مدمجة في رسالة شفيفة مغمورة بحس التجريد ( لوحة النترون والأوزون ، وماذا بعد ) ولامر ما يسيج الفنان عبدالله الشيخ “عالمنا المعاصر” والملاحظة من كتابه المعرض – بلوحتي “بشائر” و”أنشودة للحلم” حيث الحمام والإشراق ينهضان على عتمة الآلة والحرب وحيث الناي يفتق المشهد لعودة اسيانة وإطلالة مفعمة بالأزرق.
وللأمر نفسه – ربما – يلتقي الزائر في نهاية المعرض بـ ” أماكن الذاكرة ” المكنوزة بوحداتها المتراصة إزاء التبعثر الذي يخلعه علينا “عالمنا المعاصر”.
غير أن ما ينبغي التوقف عنده – والوقفة هنا للناقد الفني المختص – ليس عنوان اللوحة ( محمولها ) مضمونها فتلك مهمة ناجزة لمن هوايته القبض على معنى محدد يخصف على صاحبه أوراق الراحة والرضا .ما يهم هو الوقوف على ” ألوان ” هذا الرجل : الطازجة ، الندية ، التي تدهشنا ، وتمد العين والعصب بنسغ لا يفتر، في تناغم فذ ، يتآزر معه بناء اللوحة المحكم .. يتأدى ببساطة لم يصل اليها الفنان عبد الله الشيخ إلا بعد مجاهدة “و قلق” طويلين، وما نظن انه سيفرغ من قلقه.
وكلام اقل : عبد الله السفر
الرأي : 26 محرم 1418 / حزيران / 1997