كنت أتحدث عن الفن كحالة اغتراب … ومحاولة لتوضيح معالم حوارات الذات مع محيطها الضاغط للنظر إلى فنان أراه يمثل كل معاناة جيله جغرافيا وتاريخيا في مرحلة النصف الثاني من القرن العشرين.
هو فنان عربي خليجي سعودي مسلم جذوره في صحراء نجد، وطفولته في الطمأ الأسمر ما بين النهرين وصباه في رمل الخليج ونضجه في ضباب بريطانيا. يعايش كل تداخلات هذه العصور الزمنية المختلفة هدوءا وضجيجاً .. مزارع ومصانع .. حصاراً وافقا يبدأ بنقاء الحلم العربي وطمأنينة الجذور المترسخة وينتهي دائما محروق الوجدان أم المعارك وعاصفة الصحراء بين عالم تقني جديد على هذه الأرض، وبعد كل هذا أي امتزاج لكل هذه التداخلات سيصبح لغة فنه؟
عبدالله الشيخ يجسد ملحمة جلجامش العصر .مأساوية الإنسان الخليجي المعاصر تمشى على قدمين تتسلح بابتسامه وتنثر احلامها وكوابيسها الحميمة في لوحات تنسكب برموزها الداخلية بين خوذة جندي وصرخة ناعية، وترنيمة حالم.
لماذا كل هذه الألوان الفطرية في لوحاته؟ وكيف تتعايش العتمة واللون بصورة متفردة دون أن تتضارب ، رغم اكتظاظ اللوحات بالألوان ؟ ماذا تحاول لوحاته ان تقول ؟ وهل تنجح في إيصال رسالتها؟
بلا شك هي تفعل ذلك .. تحدثنا عن عالم عبد الله الشيخ ماضياً وحاضراً .. عبد الله الشيخ فنان يعيش فنه ومثل أي فنان حقيقي له لغة خاصة . سمعت آهاتها في لوحاته، كما في الصدى الذي حمله لي صوت أم علاء رفيقة العمر والدرب وتجسيد السومرية التي مازالت تفيض بالإلهام ..قالت : احسبه يتوجع في لوحاته ، أتصدقين ؟ أحيانا أتأمله يرسم وأتأمل تفاصيل اللوحات … فابكي ! اجل هو في لوحاته يحلم ويفتح عينيه على الواقع ليرسمه متوجعا … ويلتجئ الى الحلم ليضيف حمامة سلام وطيف أمل وابتسامة أم وترفق فجر قادم.
لوحاته تفيض بحوار الذات والعصر. والفنان الموهوب لا يتحول من فنان بالاحتمال الى فنان في الواقع الا بعد التجربة .. تجربة الممارسة الفنية وتجربة الحوار مع تفاصيل ذاته وحياته الخاصة ولوحات عبدالله الشيخ تتجذر بتجربة غنية في الناحيتين وتثير في روح متأملها حوارا مع ما يجول في روح الفنان من مؤثرات ينقلها ألوانا وإيحاءات حكايات شاعرية تلتصق بالذاكرة.
د. ثريا العريض
بيننا كلمة
الاثنين : 19 / 5 / 1997