هم الفنان الحقيقي التعبير عن حلم الإنسان في واقع الزمان والمكان ..
وعبدالله الشيخ يعتصره كابوس سطوة الآلة .. معرضه الجديد في مدينة الجبيل الصناعية يؤكد هذا … لوحات تعبر عن فكرتين أساسيتين .. متضاربتين في ناتج التعبير فنيا .. ومتفقتين على المنطلق الأساسي: الأولى أن الإنسان جميل بطبيعته ومشاعره الإنسانية وإحساسيه. والثانية أن الإنسان يفقد شيئا من هذا النبل الجوهري والقدرة على الإحساس به خارج الذات ، حين تهزمه الآلة العديمة المشاعر والأحاسيس .. يصبح رقما لا منطقيا لا يعبر إلا عن الشقاء وتراجع روافد الحياة. ولذلك تأتى كل اللوحات المعبرة عن الفكرة الأولى مليئة بجمال الطبيعة بتفاصيلها الخليجية وببساطة مواقعها .. حمامات وادعة وإناث جميلات سومريات الملامح مترفات بالسكينة، وأطفال مستكينين لحنانهن في خلفية شرفات ومشربيات شرقية، وتلاويح فجر آت من وراء نخيل وجدران بيوت قرى تراثية مفرطة في البساطة والقدم. أما اللوحات المعبرة عن الفكرة الثانية فتفيض بملامح سطوة الآلة القاسية بأضراس تروس حادة ، وخوذات حربية ومسدسات فاغرة أفواهها، وركام معدني ممزق، ووجوه إنسانية بلا ملامح، وأياد تمتد متضرعة وأجساد تصرخ حركاتها بآلام وانفعالات توجه بدني وروحي، تشي به تفجرت بقع دموية في ظلال رماد وزرقة داكنة وخطوط حادة غائرة في العمق.
ولكن لعبدالله في الحالتين سره وسلاحه للخروج من ورطة الوقوع في آثار التقنية القامعة للحياة .. يستنجد بالفن ليستصرخ الرعب من المستقبل بما يضمن أن يحول وجهه الطريق ويستنهض الأمل . يعود إلى الفن بكل طهره وبساطته يستخدم في لوحاته ألواناً تفيض بالحيوية والوضوح لا التباس فيها .. تذكر المتأمل بألوان الطبيعة الحية بكل عنفوانها حتى ليكاد يتنشق روائحها.
وفي رؤيته ،يأتي صراع الإنسان زمنيا مع التقنية.. الآن.. وخارج إطار المكان المحدد .. أما حلم الإنسان بالسكينة كمطلب أزلي فيأتي مرتبطاً بزمن هادئ وقديم كالحان ناي .. وفي مكان نحسه وطناً، يمتد في خارطة وجدان عبدالله الشيخ منذ اخضرار نخيل سومر حتى نصاعة الأشرعة بشطآن الخليج وصفاء العيون المكحولة بالأحلام.
تحية لهذا الفنان.. إنسان عصرنا الخائف ..المهدد بموت البطل … والمنتظر للفجر المنقذ ، حالما بما بعد الركام .. ترانيم أمل بألوان الحياة.
د. ثريا العريض
بيننا كلمة
الثلاثاء 20 / 5 / 1997